شريط اخبار شخبطة ملوكى

السبت، مايو ٢٤، ٢٠٠٨

معركة العشق

معركة العشق
*****

كان ضابطا فى الجيش، فبعد ان انهى دراسته كان لزاما عليه ان يلبى نداء الوطن و خاصة فى محنته، فكان جد مميز بين اقرانه، عنيدا مقاتلا فدائيا و عاشق لوطنه، عكس الكثيرين من زملائه لا يستطيع رؤية اعداء وطنه يعبثون بارضه و بمقدرات شعبه، كان حريصا ان يفصح عن غضبه و ان يفصح عن مشاعره الثائرة تجاه قضية وطنه و حنقه من تعامل قياداته مع قضية الوطن، كان يحب وطنه و يشعره و يعيشه و يحسه، ولكنه ناقم على ما صار عليه حاله، ناقم على من يحرك قضاياه و يفرض عليه معاهدات واتفاقات تقلل من شانه واحترام العالم له.
وليس غريبا على طه الضابط الثائر و الفدائى ان يقرع باب العشق و الحب ليدفع باحاسيسه التى لا يستطيع مقاومة اظهارها و اعطائها، كان لا يستطيع ان يعيش بلا حب و عطاء، فما لبث ان راها حتى احبها، كانت رمزا للوطن بوجهها و طباعها، بغضبها و فرحتها، بهدؤها و ثورتها، بطيبتها و شراستها، كانت تشبه الوطن الذى احبه و لكنه لفظه بسبب تعنت اولى امره، كانت نرجس زهرة يانعة و لكن حزينة كما الوطن، فاجتذبت طه الذى شاركها حزنا بحزن و لكنه يختلف عنها فهو يريد ان يخرج من دائرة الحزن الى براح السعادة و الاحلام، كان حالما و كانت واقعية، كانت هادئة وهو كثير الحركة ، كانت ترابا و كان نارا، فكان ذلك الاختلاف مغذيا لعامل انجذابه لها يذكره باختلافه عن حال الوطن المستكين، فكان بحبه و عطائه عاملا كبيرا لاخراج نرجس من حالة انطوائها مع عالمها الخاص، كانت تتحاور و تتعامل مع الجميع و لكن من منظورها الخاص، عالمها لها وحدها وكانه قدس اقداس لا يدخله الا كبير الكهنة، فهى تعرف قدر نفسها و قيمتها، مغرورة احيانا و متواضعة كثيرا، عنيدة احيانا ولينة كثيرا، كانت متضاداتها تجذبه فهى تتلاقى معه ثم تتنافر احيانا، تذوب معه فى احلامه ثم تفيق الى عالمها الواقعى.
كانت نرجس جارة طه، كانا يلعبان معا فى طفولتهما على سلم منزلهما حتى جاء الوقت الذى يفصل الزمان بين الاطفال فى التعليم و اللعب و الحوار، كان كل منهما يعيش ويحلم بحبه ولا يعرف ان الحب قد تكون منذ الصغر و عاش و نما دون ان يفصح عن هويته ،حتى جاء يوم راها اثناء مظاهرة خرج لها مع اصدقائه، التقت عيونهما فانجذبتا، ولم تستطع ان تقاوم هتافاته و سارت مع الفتيات تهتف معهم و تردد، يومها ذاب عشقا فيها، ويومها التصقت صورته بمخيلتها الى الابد.
وكان طه فى اجازاته يحرص على الصعود الى سطح منره ليقابل نرجس و يتجاذبا اطراف الحديث حتى يصمت كل منهما فجاة و تستكمل عيونهما الحوار، ازدادا قربا و حبا وعشقا، حتى صار كل منهما يتلهف لموعد الاجازة التالية، وكانت خطاباته التى يرسلها لاخته هى وسيلة الاتصال الوحيدة بينهما، يخبرها عن حاله و شوقه و حنينه.
طالت اعوام الجندية و سادت حالة من الاحباط لسكون قواتنا و استسلامها الذى اضحى مثيرا للغضب و الثورة، حتى جاء يوم استدعاه قائده بمفرده، يومها عرف انه كان محط نظر قادته يتاكدون من حبه و عشقه و فدائيته، و افصح له قائده ان هناك عملية خاصة لفرد واحد عليه ان يستعد لها ان وافق فى معسكر تدريب بالقاهرة يشبه المنطقة التى ستكون عليها مهمته، وان نسبة رجوعه سالما لن تتجاوز باى حال من الاحوال عشرة بالمائة، وله ان يوافق او يرفض.
بعد تفكير عميق لم يستغرق عدة ساعات وافق طه على المهمة رغم ما قد علم من خطورتها، تذكر الوطن و الثأر و الكثير الذى سيفيد وطنه من المعلومات التى سوف يجلبها من مهمته، كانت ساعات قاتله فاى حب يتغلب على الاخر، حب نرجس الذى هو من حب الوطن، ام حب الوطن باكمله، فرجحت كفة حب الوطن بناسه و اهله و اخوته ولم ينسى ان حب نرجس وضع ايضا فى كفة حب الوطن فرجحت كفة حب الوطن على كفة حب نرجس.
عاد طه الى القاهرة فى اجازة لمدة يومين يتبعها اسبوع فى معسكره ثم اجازة اسبوع بعدها قبل الذهاب الى مهمته، ولم يستطع كعادته الا ان يبوح لنرجس بما قد هم به، رغم انه لم يخبر احدا من اسرته حتى امه التى كانت اغلى انسان عنده، شجعته نرجس و الهبت حماسه كعادتها، ولم تتفوه بما يرجعه عما اعتزم فازداد قوة و حبا لها.
مر اليومان كلمح البصر و بدا طه فى تجهيز حقيبته للذهاب الى المعسكر، ودع اهله وترك حقيبته على باب شقته و انطلق الى سطح بيته مودعا نرجس، سلمت عليه و اخبرته ان تلك اللحظات التى تجمعهما ستكون الاخيرة حتى يعود من مهمته على الجبهة، لن تستطيع ان تراه قبل سفره، لن تستطيع ان تبثه من حبها و قوتها بعد الان، وعليه ان يتحمل و يقدر، ذهل طه من هول ما يسمع ولم يسعفه الوقت ولا المكان ولا الموقف ان يقنعها انه قد يعود ثانية، وانه مجبر على فعل ذلك باختياره من اجل الوطن ومن اجلها حتى لا تشعر بالذنب ان اثنته عما قد يفيد به الوطن، لم تسمعه و اصمت اذنيها عنه حتى لم يجد سبيلا لاقناعها.
هبط طه درجات السلم باكيا، حمل حقيبته و كانه يحمل نعشا به جثته، لم يستطع ان يفهم او يدرك سببا واحدا يجعل الفراق او القطيعة نتيجة لمهمته، ظل فى معسكره وحيدا يتدرب وحيدا و ياكل وحيدا و ينام فى غرفته وحيدا بعيدا عن اعين الجميع، لا يتكلم ولا يفصح ولا يبكى، فقد جفت دموعه فى حدقتيه حتى تحجرتا، وكان ذلك الحال مثار اعجاب من قواده الذين يقومون على تدريبه، فتركيزه كان منصبا على النجاح و العودة لمهمته الثانية فوق سطح بيته، حاملا اكاليل الغار و فرحة الانتصار، فقد كانت المهمة شاقة و قاسية الى ابعد الحدود.
عاد طه الى بيته بعد اسبوع التدريب صامتا، لا يخرج من باب غرفته الا الى سطح البيت، لا يحادث احدا من اسرته، لا يضحك ولا يقابل احدا من اصدقائه او اقربائه، كان فقط يعيش مع ذكرياته و نرجس، و يحاول ان يجد لها مبررا للقطيعة، و لكنه لم يجد.
وجاء يوم المهمة فاقلته سيارة من سيارات الجيش من تحت بيته الى الجبهة فوصلها ليلا كما هو مخطط للمهمة، حماملا فى حقيبة مهماته جهازا خطيرا تسلمه من قائده فى السيارة اثناء سفرهما الى الجبهة، وكان عليه ان يحمى ذلك الجهاز اكثر من حياته وان يحرص عليه اكثر من نفسه، عبر فى ظلام الليل و توغل اكثر من عشرة كيلو مترات خطوط العدو كما تدرب تماما، حتى وجد ضالته فى وحدة الاتصال الخاصة باكبر موقع للعدو، وكما تدرب زحف و كتم انفاسه و تحسس طريقه بمنتهى الحرص مرتديا زى العدو العسكرى حتى وصل الى موقع الهوائى الخاص بوحدة الاتصال، وبجوارها كما تدرب تماما زرع جهازه بحرص، ثم عاد ادراجه من جديد و توقف فى مكان امن ليرسل الاشارة الى قياداته مبشرا بنجاحه فة مهمته رغم تواجد العشرات من جنود العدو، ارسل اشارته من جهاز الارسال الذى زودته به القياده، وانتظر حتى ياتيه التاكيد بنجاحه، طال انتظاره فلم ترد القياده مباشرة، احس انه قد يكون قد نسى شيئا من خطوات زرع الجهاز، راجعها تماما كما تعلمها، اذا لماذا لم يات الرد بنجاح المهمة؟، ظل منتظرا حتى جاء الرد بعد طول انتظار تمت المهمة بنجاح، لمعت عيناه فرحا و تجلت امامه نرجس فرحه فى ثوب عرسها و الفرحة تسكن مقلتيها.
صاح : كنت بحبك يا نرجـــــــــــــــــــــــس
ووقف كالاسد يحصد جنود العدو برشاشه حتى جاءته دفعة رشاش كاملة بجوار قلبه
واستشهد طه
*****

طارق المملوك
24-5-2008

ليست هناك تعليقات: