الدين .. المغضوب عليه من الضالين في مصر
د. ياسر أيوب
ـــــــــــــــــــ
من بين الدروس الكثيرة التي نخرج بها من قراءة التاريخ المصري القديم والطويل.. أن مصر ـ علي عكس بلدان العالم كله ـ لم تولد أولا.. ثم بدأت بعد مخاض الميلاد تفتش لنفسها عن إله وعن دين تعرف به طريق هذا الإله.. وإنما ولدت مصر وهي علي يقين منذ لحظاتها الأولي بأن لهذا الكون إلها.. وعلي المصريين جميعهم عبادة هذا الإله وطاعته.. وأصبح الدين غريزة توجد وتولد لحظة ميلاد أي مصري أو مصرية بدون حاجة لجهد أو درس لتعلمها واكتشافها واكتسابها.
وقبل أي حديث عن الإخوان والذين يناصبونهم العداء.. وعن الدعاة والفقهاء والمشايخ والكتاب.. ومن يناصرونهم أو يلعنونهم.. عن الدولة ودينها الرسمي.. والشوارع ودينها الشعبي.. فلابد من التوقف أولا.. ومؤقتا.. عند رجل اسمه جيمس هنري برستد.. لا يعرفه الكثيرون منا اليوم.. لكن يعرف من يعرفه أنه الرجل الذي قام في عام ١٩٣٤ بإثبات أن المصريين القدماء لم يخلفوا وراءهم مجرد تماثيل وأهرامات ومعابد وإمبراطوريات انتقلت من ضفاف النيل لتعيش باقي أيامها في صفحات التاريخ.. لكنهم تركوا للعالم كله ما هو أهم وأبقي.. فقد اخترعوا الضمير والفضيلة والأخلاق.. والدين.
وبهذا الدين.. تأسست أول دولة وأول مجتمع في مصر وفي التاريخ أيضاً.. وبقي هذا الدين قابعا في أعماق كل مصري ومصرية.. أيا كانت طقوس عباداته وملامح شعائره وتراتيل صلواته.. ساكنا تحت جلد المصريين وفي قلوبهم ووعيهم حتي وإن لم يبد واضحا وظاهرا.. وباق داخلهم حتي وإن بانت عوراتهم ومعاصيهم وخطاياهم.. ولهذا لم تفاجئني نتيجة استطلاع دولي أجرته هيئة البي بي سي البريطانية في شهر سبتمبر الماضي.. وفي ست وثمانين دولة..
وتعامل معه الجميع ـ إلا نحن في مصر كالعادة ـ باهتمام واحترام باعتباره أحد أكبر وأدق استطلاعات الرأي العام في العالم.. وفي هذا الاستطلاع تبين أن الانتماء الديني أو الارتباط بالدين.. بين صفوف المصريين.. مسلمين أو مسيحيين.. هو الأعلي في العالم كله.. حيث كشف الاستطلاع عن سبعة وثمانين بالمائة من المصريين يعتبرون أن الدين.. هو الملمح الأول والعامل الأهم في تكوين الشخصية والهوية وفي الحياة بأسرها بكل ما فيها.. وعلي الرغم من أننا في معظمنا لم نلتفت كثيرا أو قليلاً لهذا الاستطلاع ونتائجه بدلالاتها ومعانيها.. إلا أنه ليس هناك ما يمنع الآن من أن نعود ونقرأ ونتأمل.. ثم نجلس ونفكر ونعرف..
لماذا يلتف الناس في مصر دائماً حول كل داعية جديد.. حول كل فقيه يطل عبر موجات أثير أو عبر شاشة تليفزيون أو حتي من خلال أوراق صحيفة أو كتاب.. ولماذا يسهل دائماً علي أي مرشح لمقعد تحت قبة برلمان أو لعضوية نقابة أو حتي لمجلس إدارة ناد رياضي.. أن ينجح ويكتسح لمجرد أنه قدم للناس نفسه باعتباره رجلا يهتم بالدين وحريصاً عليه ومتمسكاً به.. سواء كان أخا للمسلمين أو مسلما بدون إخوان.. يرتدي جلبابا أبيض أو يوحي شكله وكلامه بأنه علي وشك القيام بذلك.. فالكلام عن أو في الدين..
غالبا ما يصادف هوي المصريين حتي وإن لم يكونوا متدينين بالشكل الكافي أو الواضح.. وهي رؤية غالبا ما تغيب عن بال كل الذي يستفزه.. أو يوجعه ويصدمه نجاح الإسلاميين والتفاف الناس حولهم.. فيبدأ هؤلاء الحرب علي كل وأي رجل لعب الدين دورا في شهرته أو نجاحه.
ومنذ أيام وليالي شهر رمضان الأخير.. بدأت حملة شعواء ليست الأولي من نوعها.. ولن تكون الأخيرة في غايتها.. لتشويه كل ما قد تطاله الأيدي والأقلام من رجال لمعوا وتألقوا ارتباطا بالدين وبالدعوة إليه.. سواء كانوا معاصرين مثل الكاتب الشيخ القدير فهمي هويدي أو الداعية الشاب الشهير عمرو خالد.. أو أسماء ووجوه تم استخراجها من كتب التاريخ وأرشيف الأيام مثل حسن البنا وسيد قطب..
ولست هنا أنوي الدفاع عن حسن البنا وسيد قطب.. أو فهمي هويدي وعمرو خالد.. أو كل هؤلاء الذين طالتهم أو ستطالهم نار هذه الحرب غير المقدسة مثل عمر عبدالكافي أو خالد الجندي أو أي من فريق وجماعة وأحزاب الإخوان المسلمين.. وإنما أنوي الدفاع عن الدين وعن ارتباط المصريين بالدين.. لأنني أثق في أن الذين قاموا بهذه الحملة الأخيرة..
ولا يزالون يشعلون نيرانها ويدقون طبولها.. هم ليسوا في حرب حقيقية مع أي من هذه الأسماء التي هاجموها وانتقدوها وحاولوا تجريدها من أية مصداقية أو احترام.. إنما هي حرب ضد التدين وضد المد الديني.. لأن الذين قاموا بهذه الحرب يتخيلون أن الخطر الأكبر.. القادم.. عليهم.. أو علي سادتهم وشركائهم وحلفائهم.. هو الدين.. لأنهم يعرفون أن العودة إلي الدين لن تكون في صالحهم، وأن أحكام الدين ومعايير الحلال والحرام لن ترحمهم ولن تغفر لهم ذنوبا وآثاما وخطايا لا أول لها ولا آخر ممكن أن تتغاضي عنها وتتجاوزها أحكام دستور أو تطبيقات قانون.
وبودي لو يقبل هؤلاء دعوتي لحوار هادئ وعقلاني.. ومحترم.. أشرح لهم فيه أن جهدهم بلا طائل وأن حربهم خاسرة حتي قبل انطلاق أولي رصاصاتها.. فالدين قادم وعائد.. أو بمعني أكثر أمانة ودقة.. الدين الساكن في الأعماق ستتكشف أوجهه قريبا بعد انجلاء غبار كثير تراكم في سنين ماضية طويلة انشغل الناس فيها بدنياهم عن دينهم وركب سلطانهم قادة حاولوا قدر المستطاع إزاحة الدين عن تفاصيل ومشاعر وشعائر الحياة اليومية.. ليس في مصر وحدها..
ولا في العالم الإسلامي المعجون بالدين والارتباط والتعصب والشكوك والمخاوف.. وإنما سيعود الدين في كل مكان ولكل مجتمع أو بلد.. فالقراءة المتمهلة والمتعمقة لكل هذا الذي يجري في هذا العالم الكبير حولنا.. تشير إلي ذلك.. تؤكد ذلك.. تستشرف ما سوف يجري بعد سنة أو عشر أو خمس عشرة سنة.
ففي المجتمع الأمريكي.. بدأ الدين يعود بقوة ويعلن عن نفسه وعن عودته بكل ما يتطلبه مثل هذا الأمر من صخب وصوت عال.. حيث القادة المتدينون المحافظون.. والرجال النشيطون الذين يؤمنون بأنهم هم الذين جاءوا ببوش الابن إلي مقعد الرئاسة واشنطن.. وهم الآن يريدون الثمن.. يريدون تعيينات قضائية محافظة.. تعديلات فيدرالية تمنع زواج الشواذ.. قوانين صارمة تمنع الإجهاض وتجابه الدعارة وتقف ضد بحوث وتجارب الاستنساخ البشري..
وأموراً أخري بدأ الحديث عنها في الولايات المتحدة مؤخراً بصوت عال.. ليس استنادا هذه المرة إلي دستور وتعديلاته.. أو إلي حقوق إنسان أو حقوق مجتمعات.. وإنما استنادا إلي إنجيل وآيات وأحكام تجيء من عند الله.
أما ألمانيا.. فقد بدأت هي الأخري تعيش نفس المد ونفس الاحتياج للدين.. وإن كان بصورة مختلفة ولدواع أخري لا تشبه تلك التي في الناحية الأخري من المحيط.. بدأ الألمان يعودون إلي الله.. فمن ناحية كان المد الإسلامي المتزايد هناك والمساجد الجديدة التي تبني ويبدأ نشاطها.. يغري ويشجع ويحرض أهل البلد علي التفكير من جديد في الدين.. ومن ناحية أخري كان هناك إحباط من حياة تحفل بالسباق والصراعات وتفتقد سلام الروح.. ليست ألمانيا وحدها وإنما أوروبا كلها..
وأنا ما أزال أذكر المعارك والصراعات الفكرية الطاحنة التي دارت في أروقة هذا الاتحاد منذ عامين بسبب الدين.. حيث كان أوروبيون عديدون يريدون تأكيد الجذور المسيحية لأوروبا في مقدمة الدستور الأوروبي المشترك.. ووحدها وقفت فرنسا تعارض ذلك داعية لحذف الدين من أي دستور أو قانون للاتحاد الأوروبي.. وإذا كان المتدينون قد خسروا معارك سابقة كثيرة في أوروبا.. فإنهم نجحوا مؤخراً في أن يضيفوا إلي الدستور الأوروبي مادة أصبحت تحمل رقم ٥١ تسمح لمختلف كنائس أوروبا بالحوار مع الاتحاد الأوروبي..
ليبقي الدين موجودا وحاضرا في أي اجتماعات أو مناقشات.. وبدأت كنائس أوروبا تتحدث بصوت عال عن الشواذ والإجهاض وأمور كثيرة كانت عادية في الماضي لكنها أصبحت مؤخراً أموراً لا يرضي بها أو عنها الرب
باختصار.. ليس صحيحاً علي الإطلاق أننا - المسلمين - متخلفون ومشغولون بالدين ودائمو الحديث عنه.. فالولايات المتحدة بدأت تتحدث وتهتم.. أوروبا كلها بدأت تغيراً بدأ مؤخراً بعد اختفاء الدين وانزوائه في أوروبا لما يزيد علي الثلاثمائة عام.. تغيراً لم يلحظه بعد أولئك الطامعون والسعداء بدوام حربهم علي الدين في مصر.. والذين بلغت بهم الحماسة والانبهار أن تخيلوا أن أوروبا - ثم الولايات المتحدة - لم يتقدموا ولم يسبقوا إلا لأنهم نحوا الدين جانبا.. بينما نحن.. في مصر وعلي الأراضي العربية والشرقية.. لم نتخلف ولم ننكسر إلا لأننا تمسكنا بالدين وتركنا الدين يؤثر علي قوانيننا وأفكارنا وأحكامنا وحساباتنا، ولم يكن كل ذلك صحيحاً..
فلا هم هناك تقدموا لأنهم خاصموا الدين.. ولا نحن هنا تخلفنا لأننا ارتبطنا بالدين.. فالدين لم يكن من الأسباب والعوامل الكثيرة سواء للتقدم أو التخلف.. وإذا كانت هذه حقيقة مهمة لابد من الاتفاق عليها.. فإن هناك حقائق أخري لا تقل أهمية.. علي رأسها ما قر في وعينا ووجداننا بأننا نحن وحدنا - أي المسلمون - الذين بقينا علي ارتباطنا بالدين.. وأن هذا هو سر تخلفنا وتراجعنا.. وبالتالي أصبح ممكنا.. وفي بعض الأحيان لازما.. قذف الطوب والحجارة.. والشتائم والإهانات.. علي كل من يجيئنا الآن ويتحدث عن الدين بصوت عال فيحبه الناس ويلتفون حوله.. أصبح هؤلاء هم الخطر وهم الإزعاج..
وباتت عداوة هؤلاء أمراً حتمياً لكل من يريد التقرب من السلطة ومنافقتها.. فالدعاة الجدد يصبحون عملاء وخونة.. أو جهلاء لا يحق لهم الحديث في أو عن الدين،.. والكتاب حين يكتبون عن الدين.. وعن ضرورة العودة إلي الدين وإعلاء أحكامه وتعاليمه.. يصبحون مثارا لسخرية جوقة النفاق وزيف السلطة وبريقها الفارغ.. في حين أن السلطة زائلة.. والجوقة قطعا زائلة.. والباقي هو الدين.. حتي وإن غضب عليه أو منه هؤلاء الضالون وما أكثر الضلال في مصر هذه الأيام.
وتسفر هذه الرغبة المحمومة في مطاردة الدين ومن يرتدي مسوحه أو يحمل مشاعله.. عن أخطاء وخطايا ووقوع في تناقضات فجة.. سخيفة ومزعجة.. فعلي سبيل المثال تراوحت الاتهامات لعمرو خالد من تقليد الدعاة الأمريكيين إلي استثمار اقتصادي فادح لشهر رمضان مروراً بخفة في اللغة والمظهر لا تناسب رجال الدين ووقار دعاته ورجاله.. ولا أفهم كيف بني هولاء اتهامهم لعمرو خالد بتقليد الأمريكيين ودعاتهم.. إلا إن كان كل من أمسك بميكروفون يقلد الأمريكيين..
وحتي بفرض أن عمرو يقلد الأمريكيين.. فهو يدعو للإسلام ورسوله وليس للتسبيح بفضائل البيت الأبيض وسادته.. أما حكاية أن عمرو خالد لا يعمل إلا في رمضان.. فهو العبث المقلق لأصحاب الحكاية، والممتع لمن يتأملونها.. فالرجل داعية ديني ومن الطبيعي أن يعمل في رمضان وأن يحشر برامجه وسط طوفان الدراما وبرامج الترفيه.. وألا يعمل الرجل إلا في رمضان - علي الرغم من أنه اتهام غير صحيح - فإنني لم أصادق اتهاما مثله لفنانين وفنانات كبار لا يعملون ولا يظهرون إلا في رمضان.. أما أن يربح عمرو خالد من برامجه.. أو عمر عبدالكافي.. أو خالد الجندي أو أي وكيل داعية ..
فما هو الضرر أو سر الضيق من ذلك.. فلا أحد من هؤلاء صاحب نفوذ أو سلطة ليفرض نفسه وصورته وكلامه علي الناس.. إنهم فقط يطرحون أنفسهم علي الناس.. والناس هي التي تختار وتحدد.. وياليتنا مرة واحدة في مصر نحترم الناس وما يريده الناس
وقبل أي حديث عن الإخوان والذين يناصبونهم العداء.. وعن الدعاة والفقهاء والمشايخ والكتاب.. ومن يناصرونهم أو يلعنونهم.. عن الدولة ودينها الرسمي.. والشوارع ودينها الشعبي.. فلابد من التوقف أولا.. ومؤقتا.. عند رجل اسمه جيمس هنري برستد.. لا يعرفه الكثيرون منا اليوم.. لكن يعرف من يعرفه أنه الرجل الذي قام في عام ١٩٣٤ بإثبات أن المصريين القدماء لم يخلفوا وراءهم مجرد تماثيل وأهرامات ومعابد وإمبراطوريات انتقلت من ضفاف النيل لتعيش باقي أيامها في صفحات التاريخ.. لكنهم تركوا للعالم كله ما هو أهم وأبقي.. فقد اخترعوا الضمير والفضيلة والأخلاق.. والدين.
وبهذا الدين.. تأسست أول دولة وأول مجتمع في مصر وفي التاريخ أيضاً.. وبقي هذا الدين قابعا في أعماق كل مصري ومصرية.. أيا كانت طقوس عباداته وملامح شعائره وتراتيل صلواته.. ساكنا تحت جلد المصريين وفي قلوبهم ووعيهم حتي وإن لم يبد واضحا وظاهرا.. وباق داخلهم حتي وإن بانت عوراتهم ومعاصيهم وخطاياهم.. ولهذا لم تفاجئني نتيجة استطلاع دولي أجرته هيئة البي بي سي البريطانية في شهر سبتمبر الماضي.. وفي ست وثمانين دولة..
وتعامل معه الجميع ـ إلا نحن في مصر كالعادة ـ باهتمام واحترام باعتباره أحد أكبر وأدق استطلاعات الرأي العام في العالم.. وفي هذا الاستطلاع تبين أن الانتماء الديني أو الارتباط بالدين.. بين صفوف المصريين.. مسلمين أو مسيحيين.. هو الأعلي في العالم كله.. حيث كشف الاستطلاع عن سبعة وثمانين بالمائة من المصريين يعتبرون أن الدين.. هو الملمح الأول والعامل الأهم في تكوين الشخصية والهوية وفي الحياة بأسرها بكل ما فيها.. وعلي الرغم من أننا في معظمنا لم نلتفت كثيرا أو قليلاً لهذا الاستطلاع ونتائجه بدلالاتها ومعانيها.. إلا أنه ليس هناك ما يمنع الآن من أن نعود ونقرأ ونتأمل.. ثم نجلس ونفكر ونعرف..
لماذا يلتف الناس في مصر دائماً حول كل داعية جديد.. حول كل فقيه يطل عبر موجات أثير أو عبر شاشة تليفزيون أو حتي من خلال أوراق صحيفة أو كتاب.. ولماذا يسهل دائماً علي أي مرشح لمقعد تحت قبة برلمان أو لعضوية نقابة أو حتي لمجلس إدارة ناد رياضي.. أن ينجح ويكتسح لمجرد أنه قدم للناس نفسه باعتباره رجلا يهتم بالدين وحريصاً عليه ومتمسكاً به.. سواء كان أخا للمسلمين أو مسلما بدون إخوان.. يرتدي جلبابا أبيض أو يوحي شكله وكلامه بأنه علي وشك القيام بذلك.. فالكلام عن أو في الدين..
غالبا ما يصادف هوي المصريين حتي وإن لم يكونوا متدينين بالشكل الكافي أو الواضح.. وهي رؤية غالبا ما تغيب عن بال كل الذي يستفزه.. أو يوجعه ويصدمه نجاح الإسلاميين والتفاف الناس حولهم.. فيبدأ هؤلاء الحرب علي كل وأي رجل لعب الدين دورا في شهرته أو نجاحه.
ومنذ أيام وليالي شهر رمضان الأخير.. بدأت حملة شعواء ليست الأولي من نوعها.. ولن تكون الأخيرة في غايتها.. لتشويه كل ما قد تطاله الأيدي والأقلام من رجال لمعوا وتألقوا ارتباطا بالدين وبالدعوة إليه.. سواء كانوا معاصرين مثل الكاتب الشيخ القدير فهمي هويدي أو الداعية الشاب الشهير عمرو خالد.. أو أسماء ووجوه تم استخراجها من كتب التاريخ وأرشيف الأيام مثل حسن البنا وسيد قطب..
ولست هنا أنوي الدفاع عن حسن البنا وسيد قطب.. أو فهمي هويدي وعمرو خالد.. أو كل هؤلاء الذين طالتهم أو ستطالهم نار هذه الحرب غير المقدسة مثل عمر عبدالكافي أو خالد الجندي أو أي من فريق وجماعة وأحزاب الإخوان المسلمين.. وإنما أنوي الدفاع عن الدين وعن ارتباط المصريين بالدين.. لأنني أثق في أن الذين قاموا بهذه الحملة الأخيرة..
ولا يزالون يشعلون نيرانها ويدقون طبولها.. هم ليسوا في حرب حقيقية مع أي من هذه الأسماء التي هاجموها وانتقدوها وحاولوا تجريدها من أية مصداقية أو احترام.. إنما هي حرب ضد التدين وضد المد الديني.. لأن الذين قاموا بهذه الحرب يتخيلون أن الخطر الأكبر.. القادم.. عليهم.. أو علي سادتهم وشركائهم وحلفائهم.. هو الدين.. لأنهم يعرفون أن العودة إلي الدين لن تكون في صالحهم، وأن أحكام الدين ومعايير الحلال والحرام لن ترحمهم ولن تغفر لهم ذنوبا وآثاما وخطايا لا أول لها ولا آخر ممكن أن تتغاضي عنها وتتجاوزها أحكام دستور أو تطبيقات قانون.
وبودي لو يقبل هؤلاء دعوتي لحوار هادئ وعقلاني.. ومحترم.. أشرح لهم فيه أن جهدهم بلا طائل وأن حربهم خاسرة حتي قبل انطلاق أولي رصاصاتها.. فالدين قادم وعائد.. أو بمعني أكثر أمانة ودقة.. الدين الساكن في الأعماق ستتكشف أوجهه قريبا بعد انجلاء غبار كثير تراكم في سنين ماضية طويلة انشغل الناس فيها بدنياهم عن دينهم وركب سلطانهم قادة حاولوا قدر المستطاع إزاحة الدين عن تفاصيل ومشاعر وشعائر الحياة اليومية.. ليس في مصر وحدها..
ولا في العالم الإسلامي المعجون بالدين والارتباط والتعصب والشكوك والمخاوف.. وإنما سيعود الدين في كل مكان ولكل مجتمع أو بلد.. فالقراءة المتمهلة والمتعمقة لكل هذا الذي يجري في هذا العالم الكبير حولنا.. تشير إلي ذلك.. تؤكد ذلك.. تستشرف ما سوف يجري بعد سنة أو عشر أو خمس عشرة سنة.
ففي المجتمع الأمريكي.. بدأ الدين يعود بقوة ويعلن عن نفسه وعن عودته بكل ما يتطلبه مثل هذا الأمر من صخب وصوت عال.. حيث القادة المتدينون المحافظون.. والرجال النشيطون الذين يؤمنون بأنهم هم الذين جاءوا ببوش الابن إلي مقعد الرئاسة واشنطن.. وهم الآن يريدون الثمن.. يريدون تعيينات قضائية محافظة.. تعديلات فيدرالية تمنع زواج الشواذ.. قوانين صارمة تمنع الإجهاض وتجابه الدعارة وتقف ضد بحوث وتجارب الاستنساخ البشري..
وأموراً أخري بدأ الحديث عنها في الولايات المتحدة مؤخراً بصوت عال.. ليس استنادا هذه المرة إلي دستور وتعديلاته.. أو إلي حقوق إنسان أو حقوق مجتمعات.. وإنما استنادا إلي إنجيل وآيات وأحكام تجيء من عند الله.
أما ألمانيا.. فقد بدأت هي الأخري تعيش نفس المد ونفس الاحتياج للدين.. وإن كان بصورة مختلفة ولدواع أخري لا تشبه تلك التي في الناحية الأخري من المحيط.. بدأ الألمان يعودون إلي الله.. فمن ناحية كان المد الإسلامي المتزايد هناك والمساجد الجديدة التي تبني ويبدأ نشاطها.. يغري ويشجع ويحرض أهل البلد علي التفكير من جديد في الدين.. ومن ناحية أخري كان هناك إحباط من حياة تحفل بالسباق والصراعات وتفتقد سلام الروح.. ليست ألمانيا وحدها وإنما أوروبا كلها..
وأنا ما أزال أذكر المعارك والصراعات الفكرية الطاحنة التي دارت في أروقة هذا الاتحاد منذ عامين بسبب الدين.. حيث كان أوروبيون عديدون يريدون تأكيد الجذور المسيحية لأوروبا في مقدمة الدستور الأوروبي المشترك.. ووحدها وقفت فرنسا تعارض ذلك داعية لحذف الدين من أي دستور أو قانون للاتحاد الأوروبي.. وإذا كان المتدينون قد خسروا معارك سابقة كثيرة في أوروبا.. فإنهم نجحوا مؤخراً في أن يضيفوا إلي الدستور الأوروبي مادة أصبحت تحمل رقم ٥١ تسمح لمختلف كنائس أوروبا بالحوار مع الاتحاد الأوروبي..
ليبقي الدين موجودا وحاضرا في أي اجتماعات أو مناقشات.. وبدأت كنائس أوروبا تتحدث بصوت عال عن الشواذ والإجهاض وأمور كثيرة كانت عادية في الماضي لكنها أصبحت مؤخراً أموراً لا يرضي بها أو عنها الرب
باختصار.. ليس صحيحاً علي الإطلاق أننا - المسلمين - متخلفون ومشغولون بالدين ودائمو الحديث عنه.. فالولايات المتحدة بدأت تتحدث وتهتم.. أوروبا كلها بدأت تغيراً بدأ مؤخراً بعد اختفاء الدين وانزوائه في أوروبا لما يزيد علي الثلاثمائة عام.. تغيراً لم يلحظه بعد أولئك الطامعون والسعداء بدوام حربهم علي الدين في مصر.. والذين بلغت بهم الحماسة والانبهار أن تخيلوا أن أوروبا - ثم الولايات المتحدة - لم يتقدموا ولم يسبقوا إلا لأنهم نحوا الدين جانبا.. بينما نحن.. في مصر وعلي الأراضي العربية والشرقية.. لم نتخلف ولم ننكسر إلا لأننا تمسكنا بالدين وتركنا الدين يؤثر علي قوانيننا وأفكارنا وأحكامنا وحساباتنا، ولم يكن كل ذلك صحيحاً..
فلا هم هناك تقدموا لأنهم خاصموا الدين.. ولا نحن هنا تخلفنا لأننا ارتبطنا بالدين.. فالدين لم يكن من الأسباب والعوامل الكثيرة سواء للتقدم أو التخلف.. وإذا كانت هذه حقيقة مهمة لابد من الاتفاق عليها.. فإن هناك حقائق أخري لا تقل أهمية.. علي رأسها ما قر في وعينا ووجداننا بأننا نحن وحدنا - أي المسلمون - الذين بقينا علي ارتباطنا بالدين.. وأن هذا هو سر تخلفنا وتراجعنا.. وبالتالي أصبح ممكنا.. وفي بعض الأحيان لازما.. قذف الطوب والحجارة.. والشتائم والإهانات.. علي كل من يجيئنا الآن ويتحدث عن الدين بصوت عال فيحبه الناس ويلتفون حوله.. أصبح هؤلاء هم الخطر وهم الإزعاج..
وباتت عداوة هؤلاء أمراً حتمياً لكل من يريد التقرب من السلطة ومنافقتها.. فالدعاة الجدد يصبحون عملاء وخونة.. أو جهلاء لا يحق لهم الحديث في أو عن الدين،.. والكتاب حين يكتبون عن الدين.. وعن ضرورة العودة إلي الدين وإعلاء أحكامه وتعاليمه.. يصبحون مثارا لسخرية جوقة النفاق وزيف السلطة وبريقها الفارغ.. في حين أن السلطة زائلة.. والجوقة قطعا زائلة.. والباقي هو الدين.. حتي وإن غضب عليه أو منه هؤلاء الضالون وما أكثر الضلال في مصر هذه الأيام.
وتسفر هذه الرغبة المحمومة في مطاردة الدين ومن يرتدي مسوحه أو يحمل مشاعله.. عن أخطاء وخطايا ووقوع في تناقضات فجة.. سخيفة ومزعجة.. فعلي سبيل المثال تراوحت الاتهامات لعمرو خالد من تقليد الدعاة الأمريكيين إلي استثمار اقتصادي فادح لشهر رمضان مروراً بخفة في اللغة والمظهر لا تناسب رجال الدين ووقار دعاته ورجاله.. ولا أفهم كيف بني هولاء اتهامهم لعمرو خالد بتقليد الأمريكيين ودعاتهم.. إلا إن كان كل من أمسك بميكروفون يقلد الأمريكيين..
وحتي بفرض أن عمرو يقلد الأمريكيين.. فهو يدعو للإسلام ورسوله وليس للتسبيح بفضائل البيت الأبيض وسادته.. أما حكاية أن عمرو خالد لا يعمل إلا في رمضان.. فهو العبث المقلق لأصحاب الحكاية، والممتع لمن يتأملونها.. فالرجل داعية ديني ومن الطبيعي أن يعمل في رمضان وأن يحشر برامجه وسط طوفان الدراما وبرامج الترفيه.. وألا يعمل الرجل إلا في رمضان - علي الرغم من أنه اتهام غير صحيح - فإنني لم أصادق اتهاما مثله لفنانين وفنانات كبار لا يعملون ولا يظهرون إلا في رمضان.. أما أن يربح عمرو خالد من برامجه.. أو عمر عبدالكافي.. أو خالد الجندي أو أي وكيل داعية ..
فما هو الضرر أو سر الضيق من ذلك.. فلا أحد من هؤلاء صاحب نفوذ أو سلطة ليفرض نفسه وصورته وكلامه علي الناس.. إنهم فقط يطرحون أنفسهم علي الناس.. والناس هي التي تختار وتحدد.. وياليتنا مرة واحدة في مصر نحترم الناس وما يريده الناس
طارق المملوك
8-12-2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق