..ما بين عالم الدبلوماسية و عالم الحيوان ..
************
عندما تدخل عالم الدبلوماسية من أوسع أبوابه فأنت تخطو بقدميك إلى عالم أشرس من عالم الحيون، خذ حذرك و أعتمد على خبراتك السابقة التى سجلها خاطرك فى تعاملك مع ذوى الأربع أقدام ، عالم شرس عندما تصافح فلتعد أصابعك، وعندما تجامل إحذر غدر من يبتسم فى وجهك .
كانت تلك أول الدروس من معلمى الأمين فى أول مقابلة لنا عند إنضمامى لتلك الهيئة ، كنت قد تصورت قبل هذا اللقاء أن العمل الدبلوماسي عمل نظيف راقى ، فقد كنت أرى السياسيين و الدبلوماسيين فى أرقى حللهم يبتسمون تلك الإبتسامة التى تشبه فم المهرج بألوانه الزائفة ، إبتسامة من الأذن الى الأذن ، وكم تمنيت ان أنضم إلى ذلك العالم الراقى ، حتى قابلت ذلك المعلم الأمين فى إدارتنا الوليدة ، لا أنكركم القول فقد توجست خيفة وأنا أخطو أولى خطواتى بهذا العالم الصاخب حد الجنون ، كنت قبل أى مقابلة او إجتماع أرى وجهى فى أية مرآة تحيطه الطراطير و الألوان و الإكسسوارات كأننى بلياتشو يدخل حلبة السيرك ، أتعمد تجربة جميع الأنطباعات قبل الدخول مباشرة كى أراجع ما تدربت عليه طويلا فى المنزل ، وقضيت الليالى الطوال أطوع عضلات وجهى كى استطيع تمثيل تلك الإنفعالات الطبيعية بأى وقت بمنتهى الحرفية و الصدق ، الإبتسامة هكذا ، والإعجاب هكذا ، و الاحترام هكذا ، والضيق هكذا ، والإنبهار هكذا ، و الذهول هكذا ، كل إنفعال له حساب و تعبير مدروس بدقة متناهية ، قبل أولى خطواتى إلى قاعة الإجتماعات أتاكد من أن الإبتسامة المطلوبة مرسومة بدقة ، وأن الشعر مصفف بعناية، ورابطة العنق تتوسط ياقة القميص بدقة و بلا إعوجاج.
تذكرت طويلا أول ايام عملى وكيف إستطعت أن أصيغ من سابق خبرتى البسيطة فى عالم الحيوان عدة مبادئ كتبتها بما الذهب كى تصير منهجا لى لا أحيد عنه فى عالم الدبلوماسية الرهيب.
كانت تلك أول الدروس من معلمى الأمين فى أول مقابلة لنا عند إنضمامى لتلك الهيئة ، كنت قد تصورت قبل هذا اللقاء أن العمل الدبلوماسي عمل نظيف راقى ، فقد كنت أرى السياسيين و الدبلوماسيين فى أرقى حللهم يبتسمون تلك الإبتسامة التى تشبه فم المهرج بألوانه الزائفة ، إبتسامة من الأذن الى الأذن ، وكم تمنيت ان أنضم إلى ذلك العالم الراقى ، حتى قابلت ذلك المعلم الأمين فى إدارتنا الوليدة ، لا أنكركم القول فقد توجست خيفة وأنا أخطو أولى خطواتى بهذا العالم الصاخب حد الجنون ، كنت قبل أى مقابلة او إجتماع أرى وجهى فى أية مرآة تحيطه الطراطير و الألوان و الإكسسوارات كأننى بلياتشو يدخل حلبة السيرك ، أتعمد تجربة جميع الأنطباعات قبل الدخول مباشرة كى أراجع ما تدربت عليه طويلا فى المنزل ، وقضيت الليالى الطوال أطوع عضلات وجهى كى استطيع تمثيل تلك الإنفعالات الطبيعية بأى وقت بمنتهى الحرفية و الصدق ، الإبتسامة هكذا ، والإعجاب هكذا ، و الاحترام هكذا ، والضيق هكذا ، والإنبهار هكذا ، و الذهول هكذا ، كل إنفعال له حساب و تعبير مدروس بدقة متناهية ، قبل أولى خطواتى إلى قاعة الإجتماعات أتاكد من أن الإبتسامة المطلوبة مرسومة بدقة ، وأن الشعر مصفف بعناية، ورابطة العنق تتوسط ياقة القميص بدقة و بلا إعوجاج.
تذكرت طويلا أول ايام عملى وكيف إستطعت أن أصيغ من سابق خبرتى البسيطة فى عالم الحيوان عدة مبادئ كتبتها بما الذهب كى تصير منهجا لى لا أحيد عنه فى عالم الدبلوماسية الرهيب.
************
المبدأ الأول لا تحنو .. فى عالمنا لا نعترف بالعاطفة..
فعندما تقتل .. لا تدمع .. إعتبرها علاقة خاطفة ..
فعندما تقتل .. لا تدمع .. إعتبرها علاقة خاطفة ..
************
تأملت كثيرا تلك المقولة التى رواها لى معلمى الامين ، او هكذا بدا لى من أول مقابلة لى معه ، وكيف أن العاطفة فى عالمنا هذا كارثة محققة ، فعملنا عالم بلا قلب ، فالقلب يظل ينبض مذكرا إياك بعدد من ضحيت بهم فى أخر إتفاقية ، و عدد من سيتشرد بسبب معاهدة ما وقعت عليها بالأحرف الأولى بمنتهى البساطة، إن الكسب السياسي الذى ستحصل عليه هو الكسب الحقيقى ، هو الكسب المادى الوحيد الذى يرضيك و يرضى طموحك، فامسك قلبك بيدك ، ولا تجعل عاطفتك تقودك إلى مهلكك .
تذكرت ذلك اليوم الذى أتى فيه بعض أقارب لوالدتى من إحدى محافظات الوجه البحرى المليئة بالخيرات ، تذكرت تلك الطيور الحية التى تكون الزيارة الفخمة من وجهة نظرهم ، لأول مرة أرى ذلك الطائر الوديع ، كم كان جميلا فى أولى أيامه مع الحياة ، كانت تلك الزغاليل " صغير الحمام " تصدر أصواتا تدفعك دفعا إلى الإقتراب منها، ولمس ريشها القصير بحنان بالغ ، تابعت أمى وهى تضع لهم فى أوانٍ صغيرة بعض الطعام و الماء ، و شاهدتهم وهم يلتقطون بمنتهى الرقة طعامهم البسيط فرحين منتشين بإحساس الشبع بعد وقت عصيب قضوه فى عربات الأجرة الخانقة بين المحافظات.
وأنا فى فراش النوم ظلت كلمات أمى ترن فى أذنى طوال الوقت ، قالت أمى أنها لن تستطيع الإهتمام بتلك الطيور الإهتمام المطلوب ، وكما تعرفون فان بيوت المدينة لا تكون مجهزة عادة لإستقبال أية ضيوف من عينة الطيور أو الحيوانات كما يحدث فى منازل الريف ، تلك المنازل فقط معدة لإستقبال الأفراد أو بعض الحيوانات الأليفة كالقطط والعصافير وما إلى ذلك، والتى لا تسبب إهمالا لتلك البيوت المنمقة و المرتبة إلى حد الملل، فكل شئ فيها بحساب ، ولكل قطعة مكان ، وإذا حدث و نقلت قطعة أثاث أو ديكور من مكان لمكان يفتضح أمرك بمنتهى السهولة.
لم أستطع النوم فى ذلك اليوم ، كنت لم أكمل عامى الثامن فى الحياة ، تسللت بعد أن غط الجميع فى نوم عميق إلى شرفة المنزل، كنت أعرف أنها فرصتى الوحيدة ، وكلمات والدتى تصم أذنى ، سيكون الغد نهاية محتومة لمصير تلك الطيور الوديعة، سيذبحونها، فلماذا يطعمونها؟، ولماذا تحنو الأيدى وهى تطعمهم بود؟ ، إنها طبيعة البشر، تمثيل و غدر و حنان مرسوم بمنتهى الدقة على الوجوه، ظللت أقترب فى حذر كى أتفادى إحداث أية ضجة يكون نتيجتها إستيقاظ أبى أو أمى ، ويكون الثمن حرمانى من أخر لقاء عن قرب بينى و بين من أحب، فمن عاداتنا أن وقت النوم مقدس إلى أبعد الحدود ، ولا مجال للمخالفة أو طلب تمديد للسهر، كنت فى غاية الأحتراس وأنا أتسلل فى ظلام الغرفة إلى الخارج ومنها إلى الشرفة كى لا أصطدم بأية قطعة أثاث لعينة تعترض خطتى الجهنمية بالنسبة لعقل طفل صغير، تأملت من خلف الزجاج تحت ضوء القمر الجميل فى إحدى الليالى الصيفية الرائعة ذلك الكائن الجديد الذى لم أتعرف عليه من قبل عن قرب ، تأملت مشيته ، ونظرات عينيه الى اخوته ثم إلى الطعام ، تأملت تلك العلاقة العابرة التى قد يكون مر نشأتها بضع ساعات قليلة، علاقة خاطفة بينى و بين تلك الكائنات الرقيقة ، إقتربت أكثر فبدأت تضح معالمها أكثر، تأملت ألوان ريشها المتناغم إلى أقصى الحدود يظهر روعة إبداع الخالق، فذلك الأسود و الأبيض يتداخلان عند الرقبة و عند منبت ريش الأجنحة و أخر الذيل ، و ذلك البنى الأحمر مع الأبيض فى تناغم عجيب ، وجدتنى أنضم بكل الهدوء إلى ذلك السرب الواعد الذى لن ينال شرف أول محاولة طيران له ، جلست على أرض الشرفة بجوارهم أطعمهم من يدى و ألمس ذلك الريش الأملس بأصابعى، وظللت العب و ألعب و أحنو و أتكلم و أحاور ، حتى غلبنى النعاس ، إستيقظت فجأة على صوت آذان الفجر فهرولت إلى غرفتى ، فذلك موعد إستيقاظ أبى لصلاة الفجر، تسللت برفق إلى سريرى ونظرت إلى أخى النائم فى السرير المجاور فوجدته غارقا فى نوم عميق ، تنفست الصعداء و أغمضت عينى و إستسلمت للنوم سريعا.
إستيقظت على صوت أخى وهو يسابق أمى كعادته، يهرول نحو المطبخ ، وكنت قد تأخرت فى نومى بسبب ليلة أمس الطويلة، و أحسست بأن جسدى يؤلمنى كثيرا من جراء النوم فى الشرفة ، وإذا بى أسمع جلبة و ضوضاء من أخى الصغير، بدأت امى المذبحة بمعاونة إحدى جاراتنا المشهود لهم بالكفاءة فى فن الذبح ، و من يُشهد له فى فن الذبح غير النساء ، و أكياس القمامة و السواطير خير شاهد على ذلك ، فكل ما تحتاجه الأنثى هو إلقاء رهافة الحس بعيدا فى سلة المهملات لدقائق معدودة و بعدها يرقص الطائر الرقيق رقصته الأخيرة فى بحر أحمر من الدماء.
إنتهت المجزرة و لا خسائر فى أرواح البشر و لكن الخسارة كانت أفدح من ذلك ، فقدت أنا الصغير أول صديق لى من عالم الحيوان ، و أضطررت إلى تناوله على الغذاء ، وقتها و أنا على طاولة الطعام كنت أبحث عن الطائر صديقى ، نعم أعرفه هو ذلك الصغير جدا ، أصغر المجموعة كلها ، تناولته أنا حتى لا يأكله أحد غيرى ، حتى يصير معى طوال عمرى ، حتى يصير قطعة منى ، وأنا أدمع و أبكى و أنتحب ، وافقت على صيحة تأنيب من أسرتى ، هل إلى تلكم الدرجة تكره طعم لحم الحمام؟؟؟؟...
صممت من وقتها ألا أرتبط بعلاقة حب من أى نوع مع من سيأتى يوم أكيد سأحطمه أو أدمر له حياته فى خضم ذلك العمل الدنئ الذى أعمله فى مجال السياسة و الدبلوماسية....
تذكرت ذلك اليوم الذى أتى فيه بعض أقارب لوالدتى من إحدى محافظات الوجه البحرى المليئة بالخيرات ، تذكرت تلك الطيور الحية التى تكون الزيارة الفخمة من وجهة نظرهم ، لأول مرة أرى ذلك الطائر الوديع ، كم كان جميلا فى أولى أيامه مع الحياة ، كانت تلك الزغاليل " صغير الحمام " تصدر أصواتا تدفعك دفعا إلى الإقتراب منها، ولمس ريشها القصير بحنان بالغ ، تابعت أمى وهى تضع لهم فى أوانٍ صغيرة بعض الطعام و الماء ، و شاهدتهم وهم يلتقطون بمنتهى الرقة طعامهم البسيط فرحين منتشين بإحساس الشبع بعد وقت عصيب قضوه فى عربات الأجرة الخانقة بين المحافظات.
وأنا فى فراش النوم ظلت كلمات أمى ترن فى أذنى طوال الوقت ، قالت أمى أنها لن تستطيع الإهتمام بتلك الطيور الإهتمام المطلوب ، وكما تعرفون فان بيوت المدينة لا تكون مجهزة عادة لإستقبال أية ضيوف من عينة الطيور أو الحيوانات كما يحدث فى منازل الريف ، تلك المنازل فقط معدة لإستقبال الأفراد أو بعض الحيوانات الأليفة كالقطط والعصافير وما إلى ذلك، والتى لا تسبب إهمالا لتلك البيوت المنمقة و المرتبة إلى حد الملل، فكل شئ فيها بحساب ، ولكل قطعة مكان ، وإذا حدث و نقلت قطعة أثاث أو ديكور من مكان لمكان يفتضح أمرك بمنتهى السهولة.
لم أستطع النوم فى ذلك اليوم ، كنت لم أكمل عامى الثامن فى الحياة ، تسللت بعد أن غط الجميع فى نوم عميق إلى شرفة المنزل، كنت أعرف أنها فرصتى الوحيدة ، وكلمات والدتى تصم أذنى ، سيكون الغد نهاية محتومة لمصير تلك الطيور الوديعة، سيذبحونها، فلماذا يطعمونها؟، ولماذا تحنو الأيدى وهى تطعمهم بود؟ ، إنها طبيعة البشر، تمثيل و غدر و حنان مرسوم بمنتهى الدقة على الوجوه، ظللت أقترب فى حذر كى أتفادى إحداث أية ضجة يكون نتيجتها إستيقاظ أبى أو أمى ، ويكون الثمن حرمانى من أخر لقاء عن قرب بينى و بين من أحب، فمن عاداتنا أن وقت النوم مقدس إلى أبعد الحدود ، ولا مجال للمخالفة أو طلب تمديد للسهر، كنت فى غاية الأحتراس وأنا أتسلل فى ظلام الغرفة إلى الخارج ومنها إلى الشرفة كى لا أصطدم بأية قطعة أثاث لعينة تعترض خطتى الجهنمية بالنسبة لعقل طفل صغير، تأملت من خلف الزجاج تحت ضوء القمر الجميل فى إحدى الليالى الصيفية الرائعة ذلك الكائن الجديد الذى لم أتعرف عليه من قبل عن قرب ، تأملت مشيته ، ونظرات عينيه الى اخوته ثم إلى الطعام ، تأملت تلك العلاقة العابرة التى قد يكون مر نشأتها بضع ساعات قليلة، علاقة خاطفة بينى و بين تلك الكائنات الرقيقة ، إقتربت أكثر فبدأت تضح معالمها أكثر، تأملت ألوان ريشها المتناغم إلى أقصى الحدود يظهر روعة إبداع الخالق، فذلك الأسود و الأبيض يتداخلان عند الرقبة و عند منبت ريش الأجنحة و أخر الذيل ، و ذلك البنى الأحمر مع الأبيض فى تناغم عجيب ، وجدتنى أنضم بكل الهدوء إلى ذلك السرب الواعد الذى لن ينال شرف أول محاولة طيران له ، جلست على أرض الشرفة بجوارهم أطعمهم من يدى و ألمس ذلك الريش الأملس بأصابعى، وظللت العب و ألعب و أحنو و أتكلم و أحاور ، حتى غلبنى النعاس ، إستيقظت فجأة على صوت آذان الفجر فهرولت إلى غرفتى ، فذلك موعد إستيقاظ أبى لصلاة الفجر، تسللت برفق إلى سريرى ونظرت إلى أخى النائم فى السرير المجاور فوجدته غارقا فى نوم عميق ، تنفست الصعداء و أغمضت عينى و إستسلمت للنوم سريعا.
إستيقظت على صوت أخى وهو يسابق أمى كعادته، يهرول نحو المطبخ ، وكنت قد تأخرت فى نومى بسبب ليلة أمس الطويلة، و أحسست بأن جسدى يؤلمنى كثيرا من جراء النوم فى الشرفة ، وإذا بى أسمع جلبة و ضوضاء من أخى الصغير، بدأت امى المذبحة بمعاونة إحدى جاراتنا المشهود لهم بالكفاءة فى فن الذبح ، و من يُشهد له فى فن الذبح غير النساء ، و أكياس القمامة و السواطير خير شاهد على ذلك ، فكل ما تحتاجه الأنثى هو إلقاء رهافة الحس بعيدا فى سلة المهملات لدقائق معدودة و بعدها يرقص الطائر الرقيق رقصته الأخيرة فى بحر أحمر من الدماء.
إنتهت المجزرة و لا خسائر فى أرواح البشر و لكن الخسارة كانت أفدح من ذلك ، فقدت أنا الصغير أول صديق لى من عالم الحيوان ، و أضطررت إلى تناوله على الغذاء ، وقتها و أنا على طاولة الطعام كنت أبحث عن الطائر صديقى ، نعم أعرفه هو ذلك الصغير جدا ، أصغر المجموعة كلها ، تناولته أنا حتى لا يأكله أحد غيرى ، حتى يصير معى طوال عمرى ، حتى يصير قطعة منى ، وأنا أدمع و أبكى و أنتحب ، وافقت على صيحة تأنيب من أسرتى ، هل إلى تلكم الدرجة تكره طعم لحم الحمام؟؟؟؟...
صممت من وقتها ألا أرتبط بعلاقة حب من أى نوع مع من سيأتى يوم أكيد سأحطمه أو أدمر له حياته فى خضم ذلك العمل الدنئ الذى أعمله فى مجال السياسة و الدبلوماسية....
****************
طارق المملوك
17-12-2006
****************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق